السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ,,,
اغتنموا ليلة القدر
خطبة مسموعة و مكتوبة
لفضيلة الشيخ أيمن سامي
الخطبة مفرغة :
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [آل عمران/102]
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) [النساء/1]
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) [الأحزاب/71 - 70 ]
أما بعد عباد الله ،
حرارة الوداع فيها ما فيها من لوعة وأسى فإذا كان المودع هو الحبيب المبجل ،
إذا كان المودع الذي نقف جميعا لتوديعه هو صاحب الفضل علينا جميعا ..
إذا كان المودع هو من أحببناه ، وغمره حبّه قلوبنا ..
إذا كان من نودّعه هو من فرحنا بمقدمه ..
إذا كان من نودّعه هو من استمتعنا ببقائه معنا ..
إذا كان من نودّعه من رأينا من خيره الكثير والكثير ..
إذا كان من نودعّه من عشنا أياما وليال عامرة في ظل وجوده معنا ..
إذا كان كل ذلك ، فلا شك أنّ الوداع سيكون مئلما
رمضان العظيم .. رمضان الكريم .. رمضان المبارك ..
يؤذن برحيل وماهي إلا أيام قلائل وتُقوّض خيامه ، تنتهي أيامه ،
وتنمحي لياليه وما من يوم يشرق شمسه إلا وينادي :
يا ابن آدم اغتنمني فإني إن ذهبت لا أعود إلى يوم القيامة
رمضان على وشك الرحيل ، ولا ولن يعود إلى يوم القيامة ..
إنها لحظات صعبة في وداع هذا الشهر الكريم
لحظات يذكرها أهل الإيمان .. يذكرها العبّاد
لحظات يبكيها من تلا القرآن واستمتتع بآياته العذبة في هذا الشهر الكريم
لحظات يبكيها المعتكف في معتكفه
لحظات يبكيها من أقبل على الله في هذا الشهر الكريم
لحظات يبكيها حتى العصاة
الذين وجدوا في رمضان ومتسعا رحبا فسيحا للإقبال على الله عز وجل ..
كم أدبروا عن الله وبعدوا وابتعدوا حتى طردوا ،
وإذ بهم في رمضان يعودون إلى الله عز وجل فيقفون بين يدي مولاهم ومليكهم تائبين آيبين منيبين.
هذا الشهر العظيم الذي أنزل الله عز وجل فيه النور والضياء
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) [البقرة/185]
هذا الشهر يؤذن برحيل ، وينادي الرحيل .. الرحيل ،
وقلوبنا عليه حزينة والدمعة في أعيننا نتمالك أنفسنا قبل أن تسقط على رحيل هذا الشهر.
فيا شهر لا تبعد لك الخير كلهُ
يا شهر لا تبعد لك الخير كله
فربّ محروم ببرك أولاه
ويا شهر لا تبعد لك الخير كله
فيا ربّ عاص لجأ إلى الله عز وجل في هذا الشهر الكريم
أحبتي ،
والموقف أيضا موقف اغتنام لما بقي أيام هذا الشهر الكريم ،
فإن في هذا الشهر بقية مباركة فيها ليلة هي خير من ألف شهر ، ليلة العمر ..
ليلة القدر
أيها الأخ الحبيب لو قيل لك إنك بعد لحظات قليلة من بقائك في هذا المسجد
ستحصل على مليون درهم ، أوستغادره؟!
بل ستبقى ، والله عز وجل يصف هذه الليلة بأنها خير من ألف شهر ..
ألف شهر أكثر من 83 سنة يعمل الإنسان فيها مجدا في طاعة الله عز وجل ،
العمل في ليلة من الليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل وأفضل من هذا
إننا مدعون حقا لإغتنام هذه الليلة ، ليلة العمر ، خير ليالي الدنيا ،
فيها يقدّر الله عز وجل الأرزاق ،
وفي هذه الليلة يقدر الله عز وجل الآجال والأعمار ،
وفي هذه الليلة يقدّر الله عز وجل عبادا يقوموا من أجله سبحانه وتعالى في تلك الليلة.
والعمل الصالح في تلك الليلة له قدر وفضل عند الله عز وجل ،
فلأجل كل هذه الأقدار سميت ليلة القدر
( إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر ) [سورة القدر]
ليلة القدر ، ليلة سالمة آمنة ، فيها سلم وسلام وأمن وأمان
وفيها نزول للملائكة بقيادة جبريل عليه السلام أمين وحي السماء ،
ينزل إلى الأرض وتتوالى الملائكة نزولا في تلك الليلة ،
يمرون على العباد ، يمرون على الطائعين ، يسلمون عليهم ..
سلام تلك الليلة وأمان حتى يطلع فجرها ،
فهي ليلة سالمة من كل شر فيها من أنواع الخير
حتى الطائع يجد في نفسه إقبالا على الطاعة في تلك الليلة.
ليلة لا حرة ولا بردة وإنما معتدلة
ليلة وضيئة مضيئة من كان يعيش في صحراء مضلمة يرى النور في تلك الليلة
ليلة منيرة مضيئة مع أن القمر لا يكون مكتملا فيها
ومع ذلك فهي مضيئة بإضاءة نور تلك الليلة وباتصال ملائكة السماء بأهل الأرض
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
كان رسول لله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مأزره وأيقظ أهله وأحيا ليله"
رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما.
هذه الليلة أيها الأحبة ،
هذه الليالي العشر كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها
من أجل بركة تلك الليلة ليلة القدر ، فهي في العشر الأواخر من هذا الشهر .
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بدأ العشر من ليلة 21 من رمضان ،
كان إذا دخل العشر شدّ مأزره .
والعلماء يقولون :
كناية عن الجد والإجتهاد والحزم والعزم في الطاعة ،
وإما أن شدّ المأزر كناية عن عدم إتيان الأهل ، وكل ذلك يدل على الإجتها في الطاعة .
شدّ مأزره وأيقظ أهله .. يوقظ زوجاته ،
والعلماء يقولون :
من أطاق القيام من أهل البيت أقيم ،
الولد في سن 12 سنة و 14 سنة يطيق ويتحمل أن يقف في الليل ، نقيمه معنا ..
قم يا فلان قم يا فلان فالليلة ليست ككل ليلة .. قم من أجل ليلة القدر .
شدّ مأزره وايقظ أهله وأحيا ليله ، فيحي الليلة كله بالعبادة والطاعة صلوات ربي وسلامه عليه .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : تحروا ليلة القدر في العشر الأخيرة من رمضان"
وفي عائشة رضي الله عنها، يقول صلى الله عليه وسلم :
التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر
فليلة القدر تكون في العشر الأخيرة من هذا الشهر
وهي في اليالي الوتر أي الليالي الفردية ترجى أكثر و أكثر
، ليلة 21 وقد مضت .. وليلة 23 وقد مضت وليلة 25 وهي الليلة وليلة 27 و29 ،
خمس ليال فردية مضى منها اثنان وبقي أكثرها ، بقي ثلاثة
فالجد الجد عباد الله ،
شمّروا عن ساعد الجد فما يدري الإنسان ..
ما يدري الإنسان لعلّه يفوز بنظرة لله عزّ وجلّ في تلك الليلة
لا يشقى بعدها أبدا ..
لا يدري الإنسان ، لا يدري الإنسان ، هل يعود رمضان مرة أخرى ؟
أم يعود علينا وقد وارانا التراب وتفرق عنّا الأحباب
فيبقى معنا ما ادّخرناه من عمل .
أيها الأحبّة ، النبي صلى الله عليه وسلم ينادي على هذه الأمة :
بادروا بالأعمال الصالحة
ينادي علينا صلوات ربي وسلامه عليه أن نبادر للأعمال الصالحة مادمنا قادرين مستطيعين
كم من إنسان الآن في رمضان هذا على سريره الأبيض في المستشفى
كم من إنسان الآن في رمضان هذا قد شغله ما أهمه وأحزنه
كم من إنسان الآن في رمضان هذا لا يطسق القيام
كم من إنسان الآن في رمضان هذا كان يعيش معنا قبل ذلك رحل عنّا
ونحن قد أحيانا الله وأبقانا الله وأعطانا الله ، أعطانا صحّة وقوّة ،
فهل بعد كلّ هذا نمتنع عن القيام لله عزّ وجلّ في تلك الليالي الفاضلة
التي القيام في ليلة منها خير من عبادة ألف شهر ؟!!
ألا فاغتنموا بارك الله فيكم شرف الزمان وشرف تلك الليلة الفاضلة
التي لا ليلة في السنة مثلها في التقرب إلى الله عزّ وجل
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلّغنا ليلة القدر ، وأن يزجل لنا فيها الأجر
أقول قولي هذا واستغفر الله